مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة
المطلب الأول : تحرير محل النزاع
قبل أن نشرع في بيان مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة
نذكر أولا عدة مسائل :
المسألة الأولى :
أنه
لاخلاف بين الأمة في أن الكفار مكلفون ومخاطبون بالإيمان كما قال الباجي [1]
ومعنى تكليفهم بالإيمان أنهم مكلفون بأصول الشريعة وأن تركهم لهذه الأصول يوجب
تخليدهم في النار . قال تعالى عن ذلك : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ
هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ( البينة : 6)
المسألة الثانية :
أن
العلماء اتفقوا على أن الكفار مكلفون بالعقوبة كالحدود والقصاص و اتفقوا أيضا على
أن الكفار مكلفون بالمعاملات كالبيع والشراع والرهن والإجارة. قال الأنصارى في
فواتح الرحموت ، "إن تكليفهم بالعقوبة وا لمعاملات إنما هو الإتفاق بين
المسلمين والكفار بعقد الذمة ولا يلزم منه أن يكونوا مكلفين ديانة "[2]
المسألة الثالثة :
أن
مسألة تكليف الكفار بفروع
الشريعة مثال لقاعدة أن حصول الشرط الشرعي هل هو شرط
في صحة التكليف ؟ [3]
أو بعبارة أخرى : هل الإيمان شرط في صحة التكليف
؟
وهذا
الشرط اختلف العلماء في صحته
للتكليف، بمعنى أنه
هل يشترط وجود
الإيمان لصحة التكليف، أم إنه
غير مشروط؟ المسألة مفروضة في
بعض جزئياتها وهو:هل
الكفار مخاطبون بالشرائع – أي
فروع العبادات، مثل
الصلاة والزكاة، والحج؟.
والمراد بمخاطبتهم بها
مطالبتهم بوجوب الأداء، والمؤاخذة عليها
بترتب العقاب على
تركها، فقال بعضهم:
إن ذلك ليس
شرطًا في صحة
التكليف.وقال
فريق آخر: إنه شرط
في صحة التكليف.وقال
فريق ثالث: إنهم مكلفون
بالنواهي، لأنها أليق
بالعقوبات الزاجرة دون
الأوامر.هذه
مذاهب ثلاثة سوف
أبينها وأدلتها –إن شاء
الله تعالى- مع بيان
الراجح منها وذلك
فيما يلي:
المذهب الأول :
ذهب جمهور الأشاعرة، ومعظم المعتزلة، والعراقيون من
الحنفية، إلى أن
حصول الشرط الشرعي - والمراد به
الإيمان-
ليس شرطًا في
تكليف الإنسان، وليس
شرطًا في
التكليف بالفعل
وجود شرطه حال
التكليف، وأنه لا
مانع من ورود
التكليف بالمشروط وتقديم
الشرط عليه،
وقالوا: إن
ذلك ممكن عقلا
وواقع سمعًا، فمن
الممكن عقلا توجيه
الأمر بالشرط والمشروط معًا، ويعاقب
الكافر على ترك
الامتثال لهما معًا.
الأدلة
:
استدل
الجمهور لمذهبهم هذا
بما يلي:
: 1. الأوامر العامة مثل:
قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي
وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُورُ (33) من الآية
( 33 ) ].سورة
لقمان
[
وقوله
تبارك وتعالى : يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (21) ] من
الآية
( 21 ) سورة
البقرة[
فإن هذا الخطاب
يشمل الكفار، لأنهم
من جملة الناس،
وهذا وارد في
القرآن الكريم كثيرًا، قال
تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ]
الآية
( 97 ) سورةآل عمران [والكفار داخلون في هذا
العموم باعتبارهم من
جملة الناس. وقال تعالى أيضًا
: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ ]من الآية
( 5) سورة
البينة[
فإن الضمير في
قوله تعالى ) وما أمروا
( عائد على الكفار
المذكورين في قوله
تعالى : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) من
الآية
( 1) سورة
البينة
[ والآيات التي تليها
: تثبت
كفرهم أيضًا وهي
قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ
هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
من الآية
( 6) سورة
البينة ومع
ذلك فهم مأمورون
.
2التوعد
على
الترك:
إن
الله
–سبحانه
وتعالى- توعد
الكافرين
على
الترك
في
قوله
تعالى
: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
(42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ
(44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ
(46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) سورة
المدثر]. – الآيات ( 42 ]
وقال
جل
شأنه
: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ
مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ
لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
الآيات69 – 68)
] . (سورة
الفرقان
[ وقال
سبحانه
وتعالى:
) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى
(33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) سورة
القيامة]. الآيات
35-(31 وتوجيه
ذلك
أن
الله
–سبحانه
وتعالى- ذم
على
ترك
التكاليف
جميعًا
فقال
في
الآية
الأولى على
لسان
الكفار: إن
سبب
دخولهم
في
سقر
أنهم
كانوا
لا
يصلون،
ولا
يطعمون، ويكذبون بالبعث،
ويخوضون
مع
من
خاض،
ولو
لم
يكونوا
مكلفين
بجميع
التكاليف
لقالوا: كنا
نكذب
بيوم
الدين وكفى.
وفي الآية الثانية:
ترتب مضاعفة العذاب
على عدة أشياء
وهي:
العبادة لغير الله،
وقتل النفس بغيرحق، والزنا، ولو
كانوا غير مخاطبين، لكانت عبادتهم لغير الله
كافية.وفي
الآية الثالثة: توعد الله
–تعالى-
الإنسان على عدم
التصديق، والصلاة، والتبختر، والكذب، والأعراض عن الله –تعالى-، ولو لم
يكن مخاطبًا لكان
الأعراض عن الله
–تعالى-
والتكذيب كافيًا. وبما أن
الذم وقع على ترك
التكاليف جميعًا فإنه
يدل على المخاطبة بها وإلا
لم يكن هناك
وجه للذم
3. عدم وجود
المانع:
لا
يوجد
مانع
عق
ً
لا
من
مخاطبة
الشارع
للكافر
الذي
يمكنه
فهم
الخطاب،
إذ
يمكن
للشارع
أن يوجب العبادات
التي
تتوقف
صحتها
على
الإيمان
فيتقدم
الإيمان
الفروع
ولا
يلزم
من
ذلكمحال
عقلا،
فالتكليف
بالفروع
جائز
عقلا
وواقع
شرعًا،
ثم
إن
الكفار
مكلفون
بالنواهي
لوجوب
حد الزنا عليهم،
فيكلفون
بالأوامر
قياسًا
على
النواهي،
إذ
الطلب
جامع
لهما
المذهب الثاني :
ذهب
الأحناف
ومن
معهم
منهم
السرخسي
والرازي،
وأبو
حامد
الاسفراييني،
وأبو
زيد
إلى أن
الكفار
ليسوا
مخاطبين
بفروع
الشريعة
بمعنى
أن
حصول
الشرط
الشرعي
شرط في التكليف،
لأن
الإيمان
شرط
لصحة
تكليف
الكافر،
وما
لم
يتحقق
الشرط
انتفى
المشروط
الأدلة : استدل
أصحاب
هذا
المذهب
لرأيهم
هذا
بما
يأتي:
الدليل الأول: إن الكفار
لو ألزموا بالفروع لصح أداؤها
منهم، لأن الصحة
موافقة الأمر، أولأمكن امتثالهم، لأن
الإمكان شرط في
صحة التكليف، ولما
كان الكفر مانعًا
من الصحة لم
يصح ذلك منهم، ولم
تمكنهم الطاعة حال
الكفر لوجود المانع، ولا يمكنهم
الامتثال حال الموت
لسقوط الخطاب الشرعي
به وقد أجاب أصحاب
المذهب الأول على
هذا الاستدلال فقالوا:إنه
في غير محل
النزاع، لأن حالة
الكفر ليست قيدًا
للفعل في مرادهم
بالتكليف به مسبوقًا بالإيمان، وقالوا: إن الكافر
يتمكن من الإسلام ويمكنه أن
يفعل ما وجب
عليه كالمحدث والجنب، إذ هما متلبسان بمانع يحول
بينهما وبين الصلاة، فتجب إزالته
لتؤدى الصلاة، والكافر مثلهما متلبس
بالكفر الذي
يتوقف
عليه أداء الفروع، وصحتها، وعليه
أن يزيل الكفر
ليتمكن من أداء
الفروع المطلوبة منه،
وهو أمرممكن ومقدور
عليه، وقالوا: إن هذا
الامتناع وصف لا
ينافي الامتناع الذاتي
السابق.
الدليل الثاني
: إن
الكفار لو كلفوا
للزمهم القضاء بعد
الإسلام، وهذا غير
صحيح، فلزوم القضاء
للكفارباطل، لأن الإجماع منعقد على
عدم القضاء، وما
دام لزوم القضاء
باط ً لا
بالإجماع كان اللازم باطلا أيضً.وقد أجاب
أصحاب المذهب الأول على هذا الدليل:بأنه
غير لازم، إذ
لا يوجد بين
القضاء ووقوع التكليف وصحته ربط
عقلي، لأن القضاء
غير واجب في
الشرع لقوله تعالى : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ
وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) : من
الآية (38) سورة الأنفال
لاسيما على قول
من يرى أن
القضاء إنما يكون
بأمر جديد فقالوا:
إن قوله تعالى : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ
وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) ]من
الآية
( 38 ) سورة
الأنفال [
فيه دليل على
وجوب القضاء بدليل ترتب الغفران على
ترك ما قد
سلف
المذهب
الثالث :
ذهب أصحاب هذا
الرأي إلى التفصيل بين الأمر
والنهي فقالوا:إن الكفار
مكلفون بالنواهي، لأنها
أليق بالعقوبات الزاجرة دون الأوامر ومعنى
ذلك أن النهي
هو ترك المنهي
عن فعله، وهو
أمر ممكن مع
الكفر.وقد
أجاب الأشاعرة بأن
الكفر مانع من
الترك كالفعل، لأن
ترك هذه الفروع
عبادة يثابالعبد عليها،
ولا تصح إلا
بعد الإيمان، وقالوا
أيضًا:
إن المكلف، به
في النهي هو
الكف وهو فعل
الأدلة:
استدل أصحاب المذهب
الثالث والقائلون بالتفصيل لمذهبهم بما
يأتي :
إن
الصلاة لو كانت
واجبة عليهم لطلبت
منهم، ولكن لا
يصح أن تكون
مطلوبة منهم في حال
الكفر لعدم صحتها
وفسادها، والشارع تعالى
يستحيل منه طلب
تعاطي الفاسد. وأما بعد
الإسلام فلعدم وجوب
القضاء على الكافرين، وحيث تعذر
طلبهم تعذر الوجوب .وقد
أجيب على ذلك:
بأن وقت الكفر
يصلح ظرفًا للتكليف لا للإيقاع، بمعنى التكليف في زمن الكفر
بالإيقاع:
أي أن يسلم
أولا ثم يوقع
ثانيًا
ونرى أن رأي
الجمهور هو الراجح
لقوة حجته عق
ً لا وشرعًا، ولأن حجة
المخالفين
أمكن
الرد عليها وتفنيدها كما سبق،
ولعله من أجل
ذلك قال الشوكاني:
(والحق ما ذهب
إليه الأولون وبه قال
الجمهور هذا ويمكن القول
بأنه من أقوى
البراهين وأوضحها على
أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قوله تعالي : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا
فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ]الآية ( 88
)
سورة النحل[، إذ إن
زيادة العذاب كانت
للإفساد وهو قدر
زائد على
الكفر،
والإفساد هنا هو
الصد عن سبيل
الله –تعالى-
وقد يكون بغيره
الخاتمة:
وهي في بيان
ثمرة الخلاف ونتائج
البحث
هل لهذا الخلاف
ثمرة في الدنيا؟
شاع
بين العلماء أن
هذا الخلاف لا
ثمرة له في
أحكام الدنيا، إذ
لا يصح أداء
العبادة
حال
الكفر، ولا يجب
القضاء على الكافر
حين يسلم، ولا
يطالب به، ولكن
الخلاف في العقابالأخروي.
فالحنفية يرون أن
الكافر يعاقب على
ترك الإيمان فقط.
والجمهور يرونه مستحقًا لعقابين أحدهما
على ترك الإيمان كما قال
الحنفية، وثانيها على ترك الفروع
ولكن
الواقع بين أن
للخلاف فوائد في
الدنيا قبل الآخرة
ومن ذلك
:
1)
تنفيذ
طلاق الكافر، وظهاره، وعتقه، وإلزامه بالكفارات عند
الجمهور الذين رأوا
تكليفه، فلزم
شرعًا
أن يلتزم بآثار
هذه الأمور المترتبة عليها، بينما
الحنفية يرون عدم
التزامه بما يترتب
على هذه الأمور لأنه
غير مخاطب، فالطلاق سبب الحرمة
عند الجمهور،
وليس
سببًا للحرمة عندالحنفية، وهكذا بقية
الأمور
2)
ومن
ذلك أيضًا لزوم
قضاء الصلوات الفائتة على المرتد
إذا أسلم، ومثله
الصيام الفائت. وعند
الحنفية
لا يلزم لقضاء
شيء لأنه ملحق
بالكافر الأصلي، وهو
غير مخاطب بالفروع على مذهبهم وغير ذلك
هذا
وقد رأينا خلاف
العلماء في تكليف
الكفار حسب ما
بينا ، لذا نحب
أن نذكر باتفاق
العلماء على تكليف
الكفار بالإيمان، والعقوبات والمعاملات وذلك لأن
رسول الله صلى
الله عليه وسلم
مبعوث إلى الناس
كافة، وبناء أحكام الشرع على عقودهم، وتعلق الحقوق
بذمتهم، وأموالهم في
الضمانات، والكفارات وما
شابهها من خطاب
الوضع، ولذلك فجنايتهم واتلافهم سبب
للضمان
المطلب
الثاني : مذاهب العلماء مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة .
إذا كنا قد علمنا
الأمور الثلاثة المذكورة جديربنا أن نذكر مذاهب العلماء في مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة من صلاة
وزكاة وصوم وحج وغير ذلك . أوبعبارة أوضح منها أنه إذا أمر الشارع بفعل شيئ
أو نهى عن فعل شيئ واستعمل لفظا شاملا وعاما فهل يدخل الكفار في هذا الخطاب
فيكونون مكلفين بما كلف به المؤمنون ؟
اختلف في ذلك العلماء على مذاهب :
§
المذهب الأول : أن الكفار مكلفون بفروع الشريعة مطلقاً
§
المذهب الثاني : أن الكفار غير مخاطبين بالفروع مطلقاً
§
المذهب الثالث : الكفار مكلفون بالنواهي دون الأمر
§
المذهب الرابع : أن الكفار مكلفون بالفروع إلا الجهاد
§
المذهب الخامس : أن الكافر المرتد يكلف دون الكافر
الأصلي
§
المذهب السادس : أن الكافر مكلف بالأوامر دون النواهي
§
المذهب السابع : التفريق بين الكافر الحربي فلا يكلف
والكافر غير الحربي فيكلف
§
المذهب الثامن : أن الكفار مكلفون بفروع الشريعة ولكن على خلاف مااستدل به
الجمهور
§
المذهب التاسع : التوقف
المطلب
الثالث : أدلة المذاهب ومناقشتها
المذهب الأول : أن الكفار مكلفون بفروع الشريعة مطلقاً
استدل هذا المذهب بأدلة عديدة ، منها :
1)
أنه
لا يمنع عقلا أن يقول الشارع : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله
... وأنتم أيها الكفار مأمورون بجميع تلك الخمس سواء ما يخص الإيمان أو ما يخص
الفروع وهي وجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم . وكذلك أنتم مأمورون بشيء آخر وهو
تقديم الشهادتين قبل أن تفعلوا شيئا من تلك العبادات ليصح فعلكم لها . وهذا لا
يمنع من جهة العقل . وبهذا تكون الشهادتان مأمرا بهما لشيئين : الأول : لنفسيهما حيث لا يتحقق الإيمان إلا بهما .
الثاني : لغيرهما حيث إنهما شرطان لأي عبادة . فتكون الشهادتان مأمورا بهما لتحقيق
الإيمان ومأمورا بهما لكون سائرالعبادات لا تصح بدونهما .[4]
2)
أن
خطاب التكليف ينقسم إلى أمر ونهي ، فالنهي أمر بالترك كما أن الأمر أمر
بالفعل ، ثم إن الكفار يدخلون في خطاب
النهي لأن الذمي يحد بالزنى والسرقة فوجب دخولهم في الأمر ، لأن من دخل في أحد
الخطابين دخل في الآخر [5]
3)
أن
تكليف الكافر لو كان مستحيلا عقلا فإما أن تعرف استحالته بضرورة العقل أو تعرف
الاستحالة بنظر العقل لا بضرورته ، أما كون الاستحالة بنظر العقل فلأننا نعرف
بالضرورة أنه لاامتناع في قول السيد لعبده : أمرتك بصعود السطح بعد إيجاد السلم ونصبه وأمرتك بهما مقدما عليه ، كذلك هنا
لا امتناع في قول الشارع لكافر : أمرتك بالصلوات بعد الإتيان بالإيمان وأمرتك به
قبلهما، ولو كان امتناعه معلوما بنظر العقل لم يكن عدم امتناعه معلوما بالضرورة [6]
4)
قوله
تعالى : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (
ال عمران : 97 ) وجه الاستدلال : أن لفظ الناس اسم جنس معرف بأل الاستغراقية فهو
يشمل جميع الناس ، والكفار من جملة الناس فيدخلون في هذالخطاب ، فحينئذ يجب عليهم
الحج وهو فرع من فروع الشريعة ، أو نقول في الاستدلال بهذه الأية : أن هذا النص
يتناول المسلم والكافر لأن كل واحد منهما من الناس ولا مانع من دخول الكافر تحت
الخطاب لأنه لو كان يوجد مانع لكان إما عقليا وإما شرعيا ، ولا يوجد مانع عقلي من
دخول الكافر ، لأن المانع العقلي هو فقد التمكن من الفعل والكافر يمكنه أن يحج بأن
يقدم قبله الإيمان كما أن المسلم المحدث يوصف بالتمكن من الصلاة بأن يقدم عليها
الطهارة ، ولا يوجد مانع شرعي لأنه لو كان لعرفناه عند الطلب [7]
5)
قوله
تعالى : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ
(43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ
(45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) (
المدثر : 42 - 46 ) وجه الاستدلال : أن العذاب حق عليهم بترك الصلاة والإطعام
والخوض وأورد ذلك تحذيرا للمؤمنين من مواقعة ذلك . بمعنى أن لله تعالى أخبر عنهم
أنهم إنما عاقبهم يوم القيامة وسألوا عما عاقبهم لأجله فاعترفوا أنهم عوقبوا على
ترك إقامة الصلاة وإطعام الطعام ولم ينقل من الله نكير عليهم في قولهم هذا ، فدل
على أن الخطاب متوجه عليهم بالعبادات وأنهم يعاقبون على تركها فيعذبون على تركها
جميعا
6)
قوله
تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ( البقرة : 43 ) وجه الاستدلال : أن هذا عام في
حق المسلمين والكفار فلا يستخرج الكافر إلا بدليل ، والكفر ليس برخصة مسقطة للخطاب
عن الكافر
7)
قوله
تعالى : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ
مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا
مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ( المبينة : 1 - 5 )
وجه الاستدلال : أن هذا صريح في أنهم أمروا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة كما أمروا
بالإيمان . بيان ذلك : أن الضمير في قوله : "وما أمروا " راجع إلى
المذكورين في أول السورة وهم الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين . و
"الواو" لمطلق الجمع ليس لها دلالةعلى الترتيب والتراخي إلا أن تكون
بمعنى "ثم" كما أن "ثم" قد تكون بمعناها لكنه مجاز وأنه خلاف
الأصل ، وحينئذ تكون الآية دالة على أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
مأموروبعبادة الله تعالى على وجه الإخلاص وبإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة وذلك يفيد
المطلوب وهو أن الكفار مكلفون بفروع الشريعة [8]
8)
قوله
تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ
فِيهِ مُهَانًا (69) ( الفرقان : 68 -69 ) وجه
الاستدلال : أن الأية نص في مضاعفة العذاب لمن جمع بين هذه المحظورات ،وهي الكفر
والقتل والزنا. فإذا ضوعف عليه العذاب بمجموع ذلك دل على أن الزنا والقتل يدخل فيه
فثبت كون ذلك محظورا عليه ، فيستفاد من ذلك أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة [9]
9)
قوله
تعالى : كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ
أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) (
القيامة : 26 -31 ) وجه الاستدلال : أن الله تعالى ذم في هذه الآية الكفار على ترك
الصدقة والصلاة وهما من فروع الشريعة مما يدل على أن الكفار مكلفون بالفروع .
10)
قوله
تعالى : قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ
(6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
( فصلت : 6 -7 ) وجه الاستدلال : أن الله
تعالى توعد المشركين على شركهم وعلى ترك إيتاء الزكاة فدل ذلك على أنهم مخاطبون
بالإيمان ومخاطبون بإيتاء الزكاة ، لأنه
لا يتوعد على ترك ما لا يجب على الإنسان ولا يخاطب به فدل على أن الكفار مكلفون
بالفروع [10]
11)
قوله
تعالى : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا
فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (
النحل : 88 ) وجه الاستدلال : بين الله تعالى هنا أنه زاد على الكفار عذابا فوق
عذاب الكفر وذلك إنما هو على بقية عبادات الشرع
12)
إن
صلاح الخطاب للكفار في اللغة كصلاحه للمسلمين
فوجب أن يدخلوا فيه كما يدخل فيه المسلمون ولا فرق ، لأنه إذا قال :
"يا عباد فالتقون" (الزمر : 16) و "ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا " (ال عمران : 97) و "وأقيمواالصلاة وآتواالزكاة
(البقرة : 43) و "يا بني آدم" (الأعراف : 31) و"يا أولي
الأبصار" (الحشر : 2) فالكفار هنا يدخلون حيث إنهم من جملة الناس ومن العباد
ومن بني آدم ومن أولي الأبصار فينتج أنهم مكلفون بالفروع [11]
13)
أن
المقتضى لوجوب الفروع من العبادات قائم وموجود لقوله تعالى : "يا أيها الناس
اعبدوا ربكم" (البقرة : 21) وغيرها وهو عام لجميع الخلق ، والوصف الموجود وهو
الكفر لا يصح لكي يكون مانعا ، وذلك لأن الكافر متمكن من إتيانه بالإيمان أولا حتى
يتمكن من الإتيان بالصلاة و الزكاة بناء عليه ؛ قياسا على الدهرية والمسلم المحدث
. بيان ذلك : أن الدهري لا يتصور منه تصديق الرسل لعدم تصديقه بأن للعالم صانعا ،
فنسبة تقدم اعتقاد الصانع لتصديق الرسل كنسبة تقدم الإيمان قبل فعل الفروع . وكذلك
المحدث لا تتصور منه الصلاة حالة الحدث كذلك الكافر لا يتصور منه الفروع حالة
الكفر . ولما ثبت لتكليف في تلك الصورة وغيرها علمنا أن الكفر غير مانع من الفروع
فوجب القول بالوجوب [12]
14)
أن
الكافر مخاطب بالإيمان وهو شرط صحة العبادات ومن خوطب بالشرط كان مخاطبا بالمشروط
كماأن من خوطب بالطهارة كان مخاطبا بالصلاة
15)
أن
الأمة مجمعة على أن الكافر معاقب على قتل الأنبياء وتكذيب الرسل كما يعاقب على
الكفر بالله تعالى [13]
المذهب الثاني : أن الكفار غير مخاطبين بالفروع مطلقاً
استدل
أصحاب هذا المذهب بأدلة كثيرة، منها :
1)
أن
الكافر يستحيل منه أن يفعل الشرعيات عبادة وقربة مع كفره فلا يكلف ما لا يطيقه
قياسا على المريض العاجز عن القيام ، فلا يكلف أن يصلي قائما ، وقياسا علي الحائض
لا تكلف أن تصلي مع حيضها [14]
2)
أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : ادعهم إلى شهادة أن لا
إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات كل يوم
وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من
أغنيائهم وترد على فقرائهم [15]
وجه الإستدلال : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يدعوهم أولا إلى
الإيمان فلو كان الخطاب يتوجه بغير ذلك لأمره أن يدعوهم إليه
3)
أن
النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر ودعاهما إلى التوحيد ولم يدعهما إلى
غيره . بمعنى : لم يذكر في كتابه إليهما شيئا من الشرائع والتكاليف الفرعية ، فلو
كانا مكلفين بالفروع لذكر ذلك [16]
4)
لو
صح تكليفهم بالفروع لصحت منهم إذا أدوها لموافقة الأمر [17]
5)
لو
كان الكافر مكلفا بالفروع لاستحق العقاب على الترك بالضرب أو القتل كما في حق
المسلم ولمالم يعاقب على ذلك في الدنيا دل على أن العقاب في الآخرة لا يتوجه إلى
ذلك [18]
6)
أن
التكليف لا يجوز أن يرد إلا بما يكون فيه للمكلف نفع ومصلحة ، وخطاب الكافر
بالعبادات في حال الكفر خطاب لا منفعة له فيه فلا وجه له [19]
7)
أن
الكفر يمنع صحة العبادة ويمنع قضائها في الثاني فصار كالجنون [20]
8)
أن
الصلاة لو وجبت على لكافر لوجبت عليه ، إما حال الكفر أو بعده . والأول باطل لأن
الإتيان بالصلاة في حال الكفر ممتنع لأنه يستحيل الجمع بين فعله للصلاة بين كفره
فكيف يجب على الكافر ما يستحيل أن يمتثله ؟ هذا ممتنع والممتنع لا يكون مأمورا به
. وأما الثاني باطل أيضا ، لأن العلماء أجمعوا على أن الكافر إذا أسلم فإنه لا يؤمر
بقضاء ما فاته من الصلاة في زمان كفره [21]
9)
أن
الأشياء المأمور بها من العبادات لوكانت واجبة ومخاطبا بهاالكافر لوجب قضاؤها بعد
أن يسلم ، قياسا على المسلم !ذا ترك الصلاة فإنه يقضي ما فاته ، والجملة الجامعة
بينهما إدراك المصلحة المتعلقة بتلك العبادات ، ولما لم يكن الأمر كذالك علما أن
تلك العبادات غير واجبة [22]
المذهب الثالث : الكفار مكلفون بالنواهي دون الأمر .
استدل
أصحاب هذا المذهب بأدلة كثيرة، منها :
1)
أنه
لايمكن الجمع بين الإتيان بالمأمور به وبين كفره . أما الإنتهاء عن الشيء فهو ممكن
حالة الكفر حيث لا يشرط فيه التقرب ، بل يكتفى بالكف عنه فجاز التكليف بالمنهيات
بخلاف المأمور بها فيشترط فيه التقرب فلا تصح من الكافر [23]
2)
أن
العقوبات تقع عليهم في فعل لمنهيات دون ترك المأمورات ، يدل على ذلك أنهم يعاقبون
على ترك الإيمان بالقتل والسبي وأخذ الجزية ، ولا يؤمر بقضاء شيء من العبادات وإن
فعلها حال كفره لم تصح منه
3)
لو
كانوا مكلفين بالأوامر لكان الإتيان بها مطلوبا منهم لكن الإتيان بها ليس مطلوبا
منهم فلا يكونون مكلفين بها . دليل الملازمة : أن التكليف بالأوامر لا فائدة منه
إلا الإمتثال وهو الإتيان بالفعل بقصد الطاعة . وقلنا "إن الإتيان بالمأمورات
ليس مطلوبا" لأن الإتيان بالمأمورات غير ممكن من الكافر لا في حال الكفر
لوجود المانع وهو الكفر ولا في حال الإسلام لسقوط القضاء عنه ، وبذلك يكون التكليف
بها لافائدة فيه فيكون عبثا والعبث من الشارع محال [24]
المذهب الرابع : أن الكفار مكلفون بالفروع إلا الجهاد
استدل أصحاب هذا
المذهب بأدلة المذهب الأول واستثنى الجهاد لأنه يمتنع أن يقاتلوا أنفسهم . والجواب
عن هذا الإستدلال بأنه لا فائدة من هذا الإستثناء لأنه لايتصور شرعا الجهاد منه
ولو حصل بعد الإيمان لخرج عن محل النزاع .[25]
المذهب
الخامس : أن الكافر
المرتد يكلف دون الكافر الأصلي
حجة
هذاالمذهب : أن الكافر المرتد ملتزم بأحكام الإسلام ، بخلاف الكافر الأصلي فإنه
غير ملتزم . بمعنى أن المرتد قد التزم بالإسلام القضاء والكافر لا يلتزم حيث إن الكافر المرتد يلزمه
ما فاته في الردة من العبادات [26]
والجواب
عن هذه الحجة : بأن ما ألزمه الله فهو الازم سواء التزمه العبد أو لم يلتزمه فإن
كان يسقط بعدم التزامه ، فالكافر الأصلي لم يلتزم العبادات وترك المحظورات فينبغي
أن يلزمه ذلك . والحق أن العبادات وترك المحظورات لازمة للكافر مطلقا ولا فرق
بينهما لأن كلا منهما يطلق عليه اسم كافر ، والآيات السابقة التي ذكرت في المذهب
الأول لم تشر إلى هذا التفريق فيكون الخلاف يطرق الكافر المرتد والكافر الأصلي [27]
المذهب
السادس : أن الكافر مكلف بالأوامر دون النواهي
ولكن هذا المذهب لا يؤثر عنه دليل كما ذكر ذلك
النملة في اإلمام ، يمكن أن نرد عليه أن
الإجماع قد انعقد على أن خطاب الزواجر من الزنى والقذف يتوجه على الكافر والمسلم
معا
المذهب السابع : التفريق
بين الكافر الحربي فلا يكلف والكافر غير الحربي فيكلف
حجتهم : أن غير الحربي ملتزم بأحكام الإسلام
بعقد الذمة فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم . بخلاف ا غيرلحربي فنظرالكونه غير ملتزم ولم يعقد معه عقد فإنه لم
يلتزم بشيء فلا يكلف بالفروع .
والجواب عنه : أن هذا التفريق لا دليل عليه ، والأدلة
النقلية المذكورة في المذهب الأول لم تفرق بين الحربي وغير الحربي ، بل دلت على أن
الكافر مكلف بالفروع مطلقا .
المذهب الثامن : أن
الكفار مكلفون بفروع الشريعة ولكن دخولهم لم يكن بسبب ظواهر
النصوص العامة التي ذكرها الجمهور في المذهب الأول ولكن ثبت تكليفهم بدليل أخر .
هذا
المذهب ضعيف ، لأن تكليف الكفار إما بدليل عقلي أو بدليل نقلي ، وقد أثبت الجمهور
تكليفهم بالفروع ولا مانع من ذلك إذا قدمواالإيمان على فعل تلك الفروع وأثبتواأنهم
مكلفون مطلقا بأدلة نقلية كثيرة .
المذهب التاسع : التوقف
ولعل سبب التوقف أن الأدلة التى ساقها
المذهب الأول والمذهب الثاني تتساوى في القوة فلا يترجح عندهم أي مذهب فاختار
التوقف .
المطلب
الرابع : بيان الرأي الراجح
بعد أن عرضنا أدلة المذاهب في تكليف الكفار
بفروع الشريعة عرفناأن المذهب الراجح هو المذهب الأول وهو أن الكفار مكلفون
بالفروع مطلقا . ومما يؤكد هذا المذهب في رأي النملة[28]
مايلي :
1. أن الله عزوجل ذم أهل شعيب
بالكفر ونقص المكيال ، وقوم لوط بالكفر وإتيان الذكور و عادا بالكفر وشدة البطش ،
وهذا الذم يدل علي تكليفهم بالفروع .
2. قوله تعالى : ( w £`èd @@Ïm öNçl°; wur öNèd tbq=Ïts £`çlm; ( ( الممتحنة : وهي
صريحة في أنهم مكلفون بالفروع .
3. أن المؤمن يثاب عند اللهعلى
امتثاله بالأوامر واجتنابه بالنواهي زيادة له على ثواب إيمانه ، فكذلك الكافر
يعاقب على ارتكاب النواهي وترك الأوامر على عقابه لترك الإيمان .
4. أن الكافر أهل للتكليف لأنه
بالغ عاقل متمكن من فعل المأمور به ولهذا
مكلفا بالإيمان أن يكون مكلفا بالفروع . والله أعلم
المبحث الثا لث
أثر الخلاف في مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة
لقد علمنا أن الكافر لا يلزمه الفعل حال الكفر وعلمنا أنه
لا يجب عليه قضاء ما فاته من العبادات إذا أسلم . من هنا اختلف العلماء هل للخلاف
في تكليف الكفار أثر أو لا ؟ فبعضهم ذهب أنه لا أثر للخلاف في هذه المسألة ، بل
الخلاف فيها لفظي . والبعض الأخر ذهب إلى أن له أثرا ، واختلف هؤلاء على فريقين :
·
فريق
يقول : إن له أثرا في الآخرة فقط
·
فريق
آخر يقول : إن له أثرا في الدنيا و الآخرة
وهذا الأخير هوا لصحيح ، لأن هناك مسائل فقهية اختلف فيها
وكان السبب في ذلك اختلاف في الأصل وهو هل الكفار مكلفون بفروع الشريعة . من هذه
المسائل :
1.
إذا
أسلم المرتد هل يلزم قضا ء ماترك من للعبادات زمن ردته أو لا ؟
2.
إذا
زنى الكافر الذمي أو المستأمن فهل يجب عليه الحد ؟
3.
إذا
نذر الكافر عبادة فهو صحيح فهل يلزمه القيام به إذا أسلم ؟
4.
هل
يجوز لكافر لبس الحرير ؟
5.
إذا
أسلم الكافر أثناء الشهر فهل يقضي كل الشهر ؟
6.
بناء
على قول أن الكافر إذا أسلم لا يلزمه غسل ، فلو وجد منه سبب يقتضي وجوب الغسل قبل
إسلامه فهل يجب عليه الغسل أم لا ؟
7.
إذا
وجبت على الكافر كفارة فأداها حال كفره فهل تجب عليه إعادتها إذا أسلم ؟
8.
إذا
أسلم أثناء اليوم فهل يجب عليه إمساك بقية اليوم ؟
9. !ذا
جاوز الكافر الميقات ثم أسلم وأحرم ولم يعد إليه
فهل عليه دم أو لا ؟
10.
إذا
طلق الكافر أو أعتق وبقيا عنده حتى أسلم فهل يلزمه ذلك أم لا ؟
11.
إذا جوزنا
للكافر دخول المسجد إما لمصلحة أو لغيرها ، فإذا كان هذا الكافر جنبا فهل يجوز له
المكث في المسجد ؟
فهذه
بعض المسائل التي تأثرت بالخلاف في تكليف الكفار بالفروع[29]
.
[3] الإلمام في مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة ، د/ عبد الكريم
النملة ، ( مكتبة الرشد : الرياض ) ط : 1 ، سنة 1414
[5] المحصول في علم أصول الفقه ، فخر الدين
الرازي ، تحقيق د/ جابر العلواني ، (
مطابع الفرزدق : الرياض ) ط : 1 ، سنة 1399
[9] التمهيد في أصول الفقه ، أبو الخطاب الحنبلي ، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع ، ط : 1 ، سنة 1406
[10] المحصول في علم أصول الفقه ، فخر الدين
الرازي ، تحقيق د/ جابر العلواني ، (
مطابع الفرزدق : الرياض ) ط : 1 ، سنة 1399
[11] الإلمام في مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة ، د/ عبد الكريم النملة ، ( مكتبة الرشد : الرياض
) ط : 1 ، سنة 1414 ص : 62
[12] التمهيد في أصول الفقه ، أبو الخطاب الحنبلي ، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع ، ط : 1 ، سنة 1406
[14] التمهيد في أصول الفقه ، أبو الخطاب الحنبلي ، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع ، ط : 1 ، سنة 1406
[17] التمهيد في أصول الفقه ، أبو الخطاب الحنبلي ، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع ، ط : 1 ، سنة 1406
[18] التمهيد في أصول الفقه ، أبو الخطاب الحنبلي ، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع ، ط : 1 ، سنة 1406
[21] المحصول في علم أصول الفقه ، فخر الدين
الرازي ، تحقيق د/ جابر العلواني ، (
مطابع الفرزدق : الرياض ) ط : 1 ، سنة 1399
[25] الإلمام في مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة ، د/ عبد الكريم النملة ، ( مكتبة الرشد : الرياض
) ط : 1 ، سنة 1414
0 komentar:
إرسال تعليق